الاثنين، 4 يناير 2010
حقيبة سفري
في أثناء تأملي فى السماء غفوت ، لم تكن غفوة بالمعنى الكامل ، لقد كنت بين الحلم واليقظة ، أو ما يسمى "أحلام اليقظة" ، ورأيت أنني أجهز حقيبتي للصعود للسماء، وبحثت عن حقيبتي لأرى ما الذى أعددته لهذه الرحلة فإذا بى أتلقى المفاجأة.
فى حقيبة سفري .. أفلام ومسلسلات وبعض المحادثات اليومية ؛ والنقاشات والجدالات غير الضرورية ؛ وباقة من ذكريات ولت مع الأهل والمعارف والأصدقاء ؛ ونشاطات صيفية ترفيهية تخلو من خدمة المجتمع والناس ؛
ولم يبقى لى شئ ... لا شئ اللهم إلا عشر دقائق وأرحل - أرحل للأبد -.
باقي لى 10 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول لربي .. هذا عملي !
ماذا سأريه .. ولا يوجد فى حقيبتي إلا الترفيه وتمضية الوقت بلا عمل وكَل وما ليس منه طائل!
وظللت أفتش فى حقيبتي بشكل هستيري، فلقد حان وقتي الآن .. وأخاطب نفسي فى حنق وأقول: ما هذا يا نفسي! ما هذا الشح .. أهذه فقط صدقاتي ! .. درهم ، درهمين ، نظرة واحدة حانية لمواساة إنسان حزين ، عطف على خمس مساكين ، فقط خمس مساكين طوال فترة حياتي ، كيف سأذهب لربي ؟! كيف أطلعه على حقيبتي .. كيف؟!
باقي لى 8 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول للرحمن .. أننى لم أرحم !
ماذا سأقول للكريم .. أننى لم أكرم أحدا!
ويلي من حقيبتي ، إنها فارغة من الصدقات ، فارغة من الرحمة.
وأظل أفتش فى حقيبتي بشكل هستيرى فلقد حان وقتي الآن .. وأخاطب نفسي فى ذل وأقول: ماذا فعلت بكِبري .. ولماذا لم أسامح أخوتي فى الله؟! .. لقد كان أمامي عشرون فرصة للنجاة من غضب ربي ولم أنتهزها، فخاصمت جارتي فلانه لأنها نست أن تدعونى فى عيد ميلاد ولدها، وكفرت بحق الجار وحسن الجوار هذا الذى كان من الممكن أن يشفع لى عند ربي فيجيرنى من عذابه يوم القيامة، وقطعت الصلة بيني وبين أعز صديقاتي لأنها قالت لى كلمات لم تعجبني، وكان الله بحبها سيظلني تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، كذلك لم أنسى لأخي عدم مساعدته لي عندما كنت فى حاجة فبادلته الشحناء والبغضاء ، وكانت صلة الرحم ستجعلني أسير على الصراط فوق النيران فلا أقع.
ويلي .. لماذا أمتلأ قلبى كبراً ولم أعد أتسامح مع أخوتي فى الله وجيراني وصلة أرحامي ، فلقد كانوا بالتأكيد سيكونون حلفاء لي فى هذا اليوم العصيب.
باقى لى الآن 6 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول لربى المتكبر .. أننى نازعتك الكبر !
ماذا سأقول للرحيم .. أننى قطعت الرحم !
ماذا سأقول للرسول الهادى .. أننى كفرت بالجار .. كفرت بوصيتك !
وأظل أفتش فى حقيبتى بشكل هستيرى فلقد حان وقتى الآن .. وأخاطب نفسى فى ندم وأقول: لن ينفعنى ندمى اليوم على ما قصرت فى حق الله ، لم أصلى ، تركت الصلاة ، لن ينظر الله أبداً فى حقيبتى فأنا لا أستحق أن ينظر فى أمرى ، كانت أمى تدعونى لأصلى ، وكنت أتهرب منها لأكلم صديقتى فلانه وأبنة خالتى علانه ، ولأرى الفيلم الأمريكى الخطير والمسلسل الدرامى الجذاب ، رحت أثرثر وأضيع وقتى ساعات ولم أدخر لصلاتى لحظات .. هذه الصلاة التى كانت ستعيننى كثيراً على سفرى اليوم.
باقى لى الآن 5 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول للملك .. لم أسجد لك ركعة !
ماذا سأقول للواحد .. أننى لم أكن أوحدك فى كل وقت !
ماذا سأقول للعليم .. أننى لم أعلم أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً !
وأظل أفتش فى حقيبتى بشكل هستيرى فلقد حان وقتى الآن .. وأخاطب نفسى فى حسرة وأقول: جائنى فلاناً لأساعده فى مصلحته فلم ألبى طلبه وتهربت ، بل وعطلت مصالح الكثيرين فى عملى بالكسل فلم أنهى الإجراءات اللازمة لإتمام مصالح الناس وجعلتهم ينتظروا شهور، ظلمتهم - ظلمتهم بكسلى - وعدم تحملى المسئولية.
كذلك تركت مساعدة الكبير وكنت أرى العجائز يحملون بقالتهم متثاقلين فلم أمد لهم يد المساعدة ، كذلك تركت أطفالى بدون أن أساعدهم فى حل واجباتهم الدراسية فأصابهم الإحباط والشعور بفقد الأهمية وذلك لموعدى مع خبيرة التجميل ، وما فائدة التجميل إذ لم يكن هنالك من جمال داخلي؟!.
باقى لى الآن 4 دقائق على الرحيل ..
ماذا سأقول للعادل .. أننى ظلمت !
ماذا سأقول للمغيث .. أننى تركت الملهوف يغرق !
ماذا سأقول لصاحب الجمال .. أننى فقدت فى داخلى الجمال !
وأظل أفتش فى حقيبتى بشكل هستيرى فلقد حان وقتى الآن ..
لكنى فى وقفة مفاجأة تذكرت - نعم لقد تذكرت - ..
وخاطبت نفسى فى فرحة وقلت: هذه ليست حقيبتى ، هذه حقيبة أخرى ، فلقد تداركت ما فعلت ، لقد كانت لى وقفة مع نفسى ساعة تبت فيها ورجعت إلى الله تعالى وفتحت صفحة جديدة معه ، وأستغفرته طويلاً وسألته العفو والصفح ولما أرجع لما فعلت .. فأين حقيبتى الأخرى ، هل صفح عنى ربى؟ ، عن ظلمى لنفسى! ، فإذ بى أجد شيئاً محمولاً من ملكين ينزلان من السماء .. ما هذا أنها حقيبتى الجديدة ، وتحمل هذه الحقيبة "عفو ربى" والذى أنسانى به كل ما كان فى حقيبتى القديمة .. ورحت أهلل وأكبر .. الله أكبر سأنجو .. الله أكبر سأنجو .. الله أكبر كبيرا.
كانت تلك اللحظة كما أتذكرها والتى بلغتنى عفو العفو الكريم ، لحظة بكيت فيها بحرقة وندمت فيها على كل ما أسرفت ، وعاهدت ربى فيها أن أكون شخصاً جديدا.
ورحت أفتش فى الحقيبة الجديدة .. هذه دمعة صادقة نزلت من عينى ندماً على ما فات هذه الدمعة كتب لى بها عشر حسنات ، وهذه دمعات على من ظلمت من الناس كتب لى بها 100 حسنة ، وهذه دموع وحشرجة على تقصيرى فى الصلاة كتب لى بها ألف حسنة ، وهذه إبتسامة رسمت على وجهى تفائلاً بعطاء ورحمة الله ، وراحة فى فؤادى لظن الخير بالله عندما دعوته - أعطانى الله بها كل ما سئلت – نعم – كل ما سئلت - .
باقى لى الآن دقيقتان على الرحيل .. لا أطيق الإنتظار دقيقتان !خذنى يا رب .. لى رب مثلك عظيم ولا زلت أعيش على الأرض !
سأحمل حقيبة سفرى وأعد الثوانى ، فلى ربُ ودودُ فى السماء .. ولقد اشتقت للقائه!
وأنادى بأعلى صوتى يا أهل الأرض .. يا أهل الأرض .. لكم مكاناً فى السماء أرحب من كل الأرض ..
لكم الخلود فى النعم فلا تخدعنكم مظاهر اللهو واللعب ، فهذا متاع الغرور ..
هلمي يا ثواني فقد ذهبت الأماني .. هلمي يا حياتي فأنتِ الحيوان* ..
وجاء الملك ليأخذني .. فأستيقظت من النوم .. أستيقظت من حلم اليقظة وعلمت طريقي .
ليتنا كلنا نستيقظ من النوم .. ونسارع فى الخيرات .. ونحضر حقيبة سفرنا الطويل.
يقول تعالى : (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون). صدق الله العظيم (سورة المؤمنون، الآيات: 57- 61).
* الحيوان :
( تفسير الطبري ) الحيوان: حياة لا موت فيها.
( تفسير ابن كثير ) الحيوان: أى الحياة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هى مستمرة أبد الآباد.
إسحاق نيوتن والتفاحة وسحر العقل
سبق إسحاق نيوتن في العمل على نظرية الجاذبية الحديثة العالم والفلكى الكبير "جاليليو" وذلك قبل سقوط التفاحة من على الشجرة أمام نيوتن ، حيث بدأ هذا العمل "جاليليو " والذى قام بتجربته الشهيرة من خلا ل رمى العديد من الكرات ذات الكتل المختلفة من أعلى برج بيزا ليثبت أن سرعة وصول الأجسام للأرض لا يتعلق بكتلة الجسم أو "الثقل".
وبعد ذلك بفترة قام "جاليليو" أيضاً بتجربة ثانية تقوم على دحرجة العديد من الكرات على سطح مائل ليكتشف سبب وصول الأجسام الأثقل للأرض قبل الأجسام الأخف ، ولقد فسر ذلك جاليليو بإختلاف إحتكاك الهواء فى الغلاف الجوي بالكرات.
ثم جاء بعده العالم الفيزيائى والرياضى والكيميائى والفيلسوف الكبير "إسحاق نيوتن" من خلال تأمله فى حدث صغير أثار فى نفسه تساؤلات عميقة ، هذا الحدث هو (سقوط التفاحة أمام نيوتن وهو مسترخى ومتأمل تحت الشجرة) فيما يسمى بحالة "آلفا" وهى الحالة التى ينشط فيها العقل الباطن أو العقل اللاواعى، عندها فكر نيوتن قائلاً لنفسه: (لماذا تسقط التفاحة دائمًا على الأرض بشكل عمودي؟ لماذا لا تنحرف ذات اليمين أو ذات الشمال أو إلى أعلى، وتتجه دومًا إلى مركز الأرض؟) .. ومن هذا السؤال التأملى أنبثق قانون الجاذبية أو الثقالة "Gravity" محاولاً نيوتن بذلك القانون تفسير ميل الكتل والأجسام للسقوط نحو الأرض.
وقانون الجذب العام لإسحاق نيوتن يعتبر محاولة لوصف قوى الجاذبية بين الأجسام غير المشحونة، و قد استنبطه نيوتن من خلال العديد من المشاهدات الفلكية مستعيناً بقوانين "يوهانز كيبلر" الفلكى الألمانى الشهير فى حركة الكواكب.
وتتلخص قوانين "كليبر" لحركة الكواكب فى ثلاث قوانين : القانون الأول: (كل كوكب يدور في مدار إهليجي حول الشمس تقع الشمس في إحدى بؤرتيه) ، والقانون الثانى: (الخط الواصل بين الكوكب والشمس يمسح مساحات متساوية في أزمنة متساوية وهذا يعني أن سرعة الكواكب تتزايد كلما اقتربت من الشمس) ، والقانون الثالث: (مربع زمن دورة الكوكب حول الشمس تتناسب تناسباً طردياً مع مكعب نصف المحور الكبير). وتعتبر هذه القوانين الثلاث وصف لحركة الكواكب حول الشمس وفق المنظور الجديد القائل بمركزية الشمس، والذى أصبحت وفقاً له الحسابات تطابق الأرصاد الفلكية بدرجة كبيرة ، كذلك فسرت فيه الحركات التراجعية للكواكب دون حاجة إلى وجود أفلاك التدوير.
ويقول قانون الجاذبية العام لنيوتن : أن كل جسم يجذب جسما آخر في الكون بقوة محمولة على الخط الواصل بين المركزين و شدتها متناسبة طرديًا مع كتلتيهما و عكسيًا مع مربع المسافة بينهما .
والصورة القياسية لقانون الجذب العام لنيوتن كالتالى:
حيث:
F هي القوة الناتجة عن الجاذبية
G هو ثابت الجذب العام بين الكتل
M1 هي كتلة الجسيم الأول
M2 هي كتلة الجسيم الثاني
r هو البعد بين الجسيمين
ولنيوتن العديد من الإنجازات الأخرى فهو يعتبر مؤسس العلوم البصرية الحديثة (Modern Study of Optics) والتي تفسر حركة الضوء، وعلى الرغم من أن نيوتن درس البصريات فى الفترة من العام 1670-1672، وهى فترة قصيرة جداً إلا أنه قام فى هذه الفترة بالتحقق من انكسار الضوء ووضع نظريته فى ذلك وسماها النظرية "الجسيمية" والتى استنتج فيها أن الضوء يتألف من جسيمات تسير في خطوط مستقيمة وتبقى هكذا ما لم تأثر في ذلك الحاجز أو المنشور المنقسم عليه الضوء أية قوة أخرى، فيرجع الفضل إليه في إثبات أن الضوء الأبيض هو مزيج من أضواء متعددة وأن الضوء يتكون من جسيمات صغيرة، وبرهن على ذلك من خلال تجربة عملية بإسقاط ضوء أبيض على منشور زجاجى فإنقسم الضوء لعدة ألوان عند مروره خلال المنشور، وعمل على تجميع هذه الألوان من جديد من خلال عدسة منشور آخر ليتكون الضوء الأبيض من جديد. وبذلك تمكن نيوتن من إختراع التلسكوب العاكس والذى تغلب به على مشكلة الألوان التي تظهر في التلسكوبات المعتمدة على الضوء المنكسر.
وبالرغم من ظهور نظرية أخرى تقول بأن الضوء يسير فى خطوط موجية فيما تعرف بالنظرية "الموجية" والتى أكتشفها العالم "كريستيان هويغنز" ، إلا أن العالم الفيزيائى الألمانى "ماكس بلانك" عضد كل من النظرية الجسيمية لنيوتن والنظرية الموجية لهويغنز بإثبات أن الضوء يحمل كلا الخاصيتين "الموجية والجسيمية" فأثبت أن الضوء موجى الطبيعة وجسيمى الطبيعة وله خصائص الطبيعتين، وبذلك أكتشفت حقيقة الضوء، والذى بدأ هذا الإكتشاف العقل المفكر والساحر لنيوتن وما قام به العلماء بعد ذلك سواء "هويغنز" أو "ماكس بلانك" أستند على عمله ونظريته الأولى فى الضوء.
شكل توضيحى : (1) تجربة نيوتن فى إنكسار الضوء
ويرتبط أسم نيوتن بالثورة العلمية، فهو أول من برهن على أن الحركة الأرضية وحركة الأجرام السماوية تُحكم من قبل القوانين الطبيعية ، وهو من وضع القوانين الأساسية فى الميكانيكا متمثلة فى ثلاث قوانين والتى تعد أساس الميكانيكا الكلاسيكية، وهو من أكتشف مع "لايبنتز" وطورا حساب التكامل والتفاضل فى الكميات متناهية الصغر "infinitesimal"، وهو من وضع قوانين الحركة الكونية الثلاثة والتي لم يعدلها أحد من بعده لمدة تزيد عن مائتي سنة.
ولقد أهتم نيوتن بالنواحى أو الظواهر الخفية من العالم ، ففى كتاب "Hypothesis of Light " والذى نشر عام 1675 افترض نيوتن وجود الأثير الذى ينقل القوى بين الجسيمات ، وأستبدل كلمة الأثير بعد ذلك "بالقوى الخفية" معتمداً على أفكار سحر الكيمياء القديمة الخاصة بالتجاذب والتنافر بين الجسيمات، هذه الفكرة السحرية والقائمة على نظرية العمل عن بعد عبر فراغ "Action at a distance"هى التى كان لها من الأثر عليه فى تطوير نظريته الخاصة بالجاذبية. ولقد قال عنه "جون ماينارد كينز" نقاداً "نيوتن" في إهتمامه بعلم الكيمياء القديمة أن "نيوتن" لم يكن الأول في عصر العقل فقد كان آخر السحرة.
وأظن أن السحر هو التأتى بشئ خارق للطبيعة بحيث لا يوجد من قوانين أو نظريات أو آليات معروفة تحكمه، لكن سحر عقل نيوتن فسر الكثير من الظواهر والتى عجز العلم عن تفسيرها لسنين طويلة، لذلك يعتبر نيوتن من أعظم هذه العقول على مدار تاريخ البشرية ، فلقد قام بشرح هذه الظواهر المبهمة ووضع لها النظريات والقوانين العلمية، بحيث أصبح العلم قادراً على تفسير هذه الظواهر ووضعها فى قوالب مفهومة وجلية، والتى كانت من قبل ليس لها تفسير ولا تستند على نظريات أو قوانين.. فليت كل عقل يفكر فى سحر هذا العالم الكبير ويكتشف لنا المزيد من الأسرار كما فعل عقل نيوتن الساحر.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)